سامع جار يخطف المهندس ياسر جمال لعالم الأدب

رحاب فوزي

سامع جار
فيلم قصير.!

مقدمة للفيلم..
___________________________________
انها شاشة االتلفاز..

أو شاشة السينما العملاقة..

بل انها شاشة الهاتف الذكي أو الكمبيوتر اللوحي.!

نحن الآن امام شاشة ما..لا تعقد الامر .!

سوف اصطحبكم عبر الاوراق لنشاهد سويا وصفا لهذا الفيلم.!

أين شاهدته أنا؟؟
ربما انها احد الرحلات الصيفية..
ماذا يعني هذا؟؟
لايهم..
استعد بالتسالي و المشروبات الغازية..
لا تعقد الأمر.!
شاهد حتى النهاية..!

رمضان 2020

كشك في شارع ما في مدينة نصر حيث المعتاد هو الزحام في الاصل..

تقف سيدة بجوارها طفلتها الصغيرة تشير الى حلوى كورونا الشيكولاتة الشهيرة التي عرفها الشرق الاوسط من اكثر من مائة عام..

تطلبها بدلع..

تنظر لها الام وهي تزم شفتاها من فوق ذلك القناع الطبي الذي اصبح موضة النظافة او الخوف معلنة قبولها مع التحفظ على جرعة الحلوى اليومية..

– استني لما اطهرها..

تخرج بخاخة كحول القوات المسلحة ويظهر اسم الوطنية بوضوح في الكادر
ترش على الحلوى المسكينة حتى تطهر..

لم تكن تدرك – تلك الحلوى الاليفة – ان اسمها قد كتب مرة اخرى في التاريخ ولكن في صفحات الاوبئة و المؤامرات معا.!

لا يعني الأم الآن الا ان تقدم لطفلتها حلوى الكورونا بلا كورونا بالفعل..
انه حقا موضوع معقد..!

ثم يتسع الكادر معلنا عن شمس قد اعلنت ذهابها بالفعل خلف عمارات مدينة نصر المكدسة..
وعن شارع يبدو انه خالي بفعل فاعل على غير المعتاد مع بعض مشاهد لمحلات و مقاهي من غير المعتاد ان تراها مغلقة في مثل ذلك الوقت..

ترتفع الكاميرا وتسافر قليلا بين تلك المشاهد المتلاحقة فذلك مقهى بلاي ستيشن مغلق و هذا مطعم قد تحول الى مخزن للكراسي.!

حتى تصل بنا الكاميرا الى الى شرفة ما في مكان مختلف قليلا يبدو انه في العادة اكثر هدوءا مما يحدث الان..
انه شاب ثلاثيني يلاعب زوجتة الدومينو وهو يقول:

– قفلت يا حلو .. بلاطة و دوه يك.. وريني التقيل

يرتفع حاجباها في غيظ وهي تخلط كل الاوراق ببعض معلنة افسادها للدور و بداية مشاحنة كالعادة..!

كالعادة؟؟

نعم فالشرفات كلها او معظمها قد تحول الى مايشبة شرفات الشاليهات في المباني الصيفية الساحلية..
رجل مسن يدخن سيجارة..
رجال يقومون بنشر الملابس او تنظيف الشرفات..
بعض الاطفال يلعبون بين العمارات في ذلك الحي الشبه آمن..
وتتكرر مشاهد العب و التدخين و التأمل في تلك الشرفات..

حتى تصل الى شرفة بها رجل يبدو في عقدة الخامس من العمر يرتدي بنطالا من الموضة المندثرة للبيجامات الكاستور الا انه قرر ان يتخلى عن القميص ذو الموضة القديمة وان يستبدله بفانلة نص كم من فانلات قطن النيل الشهيرة..

كان جالسا كعادته حتى من قبل تلك الحالة الصيفية التي حلت بكل البلاد يتامل الشرفات ويراقب الفراغ وياكل البطيخ بشوكة في طبق يبدو انه مرصع بقطع البطيخ المتساوية الحجم باناقة وبلا بذرة واحدة..
يراقب زملائة و جيرانه..

– تسلم الايادي يا سوسو البطيخة عسل

يرتفع صوت انثوي من الداخل:
– بالهنا و الشفا يا حبيبي

ثم تظهر سوسو زوجتة المربربة البيضاء التي مازال يعشقها رغم السنينين وهي تقول:

– بنتك مش ناوية تجيبها لبر.. عايزة تتطلق و الواد ماعندوش اي فكرة
– ماهو برضة الواد ده بقف كدة مابيحسش..
يمضي في اكمال وجبة البطيخ الانيقة وهي تجلس امامة في شرفتهم الصغيرة ترتدي اسدال الصلاه الملائم لكل ظروف الحياة..
ثم اكمل كلامه:

– انا هحاول اتفاهم معاه..
باقولك ايه.. شايفة الشقة الي قدامنا دي..؟

مشيرا الى الشرفة المقابلة يبدو انها اقل منهم بطابق واحد وزاوية الرؤية توضح جزء كبير من ركن المعيشة بداخل الشقة..

ترد وهي تمد يدها الى بطيخ زوجها كمن اعتاد التحدث عن تلك الامور:
– ممم مالها مش دي بتاعة الملاية!
وهي تضحك في تهكم ..

– اه تصدقي صح دي الشقة الي كانو حاطين ملاية على طول على باب بلكونتهم .. ماكنتش بالمح غير عيال صغيرة بتتنطط ع الكنب باين من فوق الملاية

– اللهم صلي ع النبي ستة على ستة كنت بتشوف ايه تاني يا خويا احكي احكي..

– لا بجد بصي كدة
تنظر سوسو وهو يومئ برأسه تجاه الشرفة مرة اخرى..
تتحرك الكاميرا لتظهر العمارة المقابلة ثم الشرفة التي يقصدها منصور ونجد ان هناك رجل ما يقترب من الاريكة الواضحة من زاويتهم وهو يجلس في بطئ وكأنة عجوز مريض..
يبدو انه في بداية نهاية الشباب حيث تلتقي الثلاثون مع الاربعين ليودع الشباب للابد ..
ثم بدأ في لف سيجارة ما على ما يبدو..

تنظر سوسو الى زوجها وتقول:
– شقة حشاشين جديدة ولا ايه؟

– لا ده نفس الراجل الي كان في الشقة قبل كدة.. انا كنت باشوفة بيطلع من الملاية كل يوم يشرب سيجارة ويدخل تاني..

– طب ايه الجديد

– الجديد انه لوحدة من اول رمضان تقريبا وعلى طول قاعد جوة مابيطلعش زي الاول وكل يوم اشوفة بيعيط.. او متجمد مكانة كدة بالساعات..

– مايمكن مات له حد ولا حاجة..

– مش عارف بس صعبان عليا الواد ده مش عارف ليه..

– منصور.. ياللا ياخويا نلحق المسلسل وحشتك الدراما التركي شكلك..
يبتسم منصور وهو يعيد الكرة بنظره الى ذلك الكهل الجديد..متمتما في ذهنه ياترى ماذا به هذا الفتى لقد رأى حزنا كثيرا في الآونة الاخيرة ولا يعلم لماذا تعلق قلبه به وبحاله..

تتكرر مشاهد في شكل ذكريات لمنصور وهو يراقب جاره ويتذكر بكاءه و صمتة بالساعات او نومة على الاريكة في اضاءة خافتة حتى يقطع حبل الذكرى صوت سوسو من داخل الشقة..

– المسلسل بدأ..!

يتحرك منصور محضرا طبق البطيخ الذي صار فارغا ليتجه الى المطبخ..

كان منزلا تقليديا مليء بالكرانيش و النجف الرخيص..
الاانه مرتب ونظيف ويظهر ذلك جليا في المطبخ حيث اتجة منصور ليغسل الصحن ووضعه في مكانه..

اقترب من مجلس المعيشة ويبدو انه تعمد ان يختار مكانا يمكنة ان يرى منه جاره الحزين..

(ودي سنة الحياة الغالي بيفضل غالي وبقلبك معاه)

يرتفع صوت حسين الجاسمي ليطرب الاذان من التلفاز في اعلان شبكة اتصالات ما ليجد منصور جارة يحرك كتفية مجهشا في البكاء..
ثم يلاحظ منصور ان جارة يستمع الى نفس الاغنية من نفس القناه فاضاءة التلفاز التي تنعكس على جارة الحزين تتبدل محاذاة مع تلفازة..

تكمل سوسو قصة زواج بنتها:
– انا عارفة ان الظروف صعبة ولازم البنت تستحمل مع جوزها بس هي ليها حق بصراحة.. عمرو بقى صعب وبقى رخم كدة مافيش لا شكر ولا بصة حلوة مانا واخدة بالي تيبيكال جوازة بتبوظ..

– لا حول ولا قوة الا بالله .. الناس هتولع في بعض ماحدش مستحمل حاجة.. هما برضة ماشافوش الخير الي احنا شوفناه ثورات ودلوقتي وباء ومافيش شغل

– منصور ايه علاقة دة بالبت انت روحت فين.!؟

– لا يا سوسو باخرف طبعا علي علي التلفيزيون اكتر المنسي بدأ اهو..

يبتسم الفيلسوف الطبيب ويظهر الكادر بروازا على الحائط يحمل اسم “محمد منصور الوزير” وشهادة من جامعة القاهرة على حمله درجة الدكتوراه في طب امراض القلب و الصدر..

يعلم ان زوجته لم تكن مستعدة ابدا لمناقشة اي امر بشكل عميق الا انها التفتت اليه قائلة:

– هو يا منصور اخبار الكورونا ايه احنا هنفضل كدة كتير فعلا؟
– الوضع وحش يا سوسو الوزارة كلها مشدودة وربنا يستر..

– نفسي اعرف منك حاجة زيادة هو انت شغال في وزارة الصحة ولا الاسكان.!

لم يكن مستعدا في ان يناقش ارقاما و حسابات انه قلق بالفعل بحكم عمله كوكيل لوزارة الصحة فقد اعتاد الصمت منذ ان بدأ ذلك الوباء الاعلامي كما يسميه رغم علمه التام بخطورته وفرص انتشارة الواسعة..

– يكنش جارنا ده عنده كورونا؟؟

ينظر اليها باستغراب وكأنها ذكرته بشيء هام.. وهو يقول:

– بس ماعتقدش لا لا بقالة اكتر من عشرين يوم على الحال ده..

ثم قام من مجلسه متجها نحو الشرفة ليجلس على كرسيه المفضل ليجد جارة جالسا في اضاءة التلفاز متكأ على كوعة رافعا قدماه على كرسي صغير بلا ظهر ولا يحرك ساكنا..

ماذا يمكن ان افعل لذلك المسكين؟؟
وبدى انه لا يعلم لماذا تعلق قلبه بحال جاره
و جلس وفي رأسه بداية لعاصفة
قد تسعد ذلك الجار الحزين
***

اول ايام عيد الفطر..
شرفة منصور.. فترة الظهيرة..

يجلس منصور ولكنه هذه المرة يرتدي بيجامة عصرية جديدة على مايبدو من لونها الاقرب للأحمر و الاسود معا..

يرشف من فنجانه رشفة و يمصمص شفتاه مستمتعا بمشروبة اللذيذ..

– تسلم ايديك يا سوسو وحشني الشاي باللبن الصبح

يرتفع صوتها من الداخل معلنا انه بالهناء و الشفاء وأنها قادمة في غضون دقائق..
كان منصور يحرك راسه يمينا و يسارا ويقدم راسه تارة و يرجعة تارة بحثا عن جارة الحزين ..

انه اول ايام العيد..
ولا بد ان يظهر اي احتفال او الا يراه فيطمئن الى انه مع اهله او اصدقاءة..

كان الحديث يدور في راسه فقط.. حتى قطعتة زوجته :

– دوق بقى الغريبة ناعمة كأنها ملبن

– والله يا سوسو كله جميل انت عارفة انا باحب البسكوت بس
– بنتك مش جاية النهاردة اتخانقت مع جوزها يروحوا فين الاول امه ولا احنا و في الاخر راحو لامة.. يعني هيروحوا فين هي كدة كدة جايالي في الاخر..

– ياستي ربنا يخليكي ليها.. بس انا رايي انك ما تسهليش عليها انها تيجي هنا يا سوسو ..

– بيتها وتيجي في اي وقت يا راجل انت

– طبعا يا حبيبتي .. بس احنا برضة دورنا اننا نوجهها لبيتها .. بيتها هو مملكتها.. زي مملكتك كدة يا قمر

وهو يغمز لها بطرف عينة كعادته.. ثم يولي وجهه شطر جاره الحزين لتحرك سوسو راسها ايضا في نفس الاتجاه وهي تقول:

– اخبار الحزين ايه.. تصدق انه صعب عليا انا كمان.!

– لحد امبارح بالليل وهو على نفس الحال يمكن يكون بيشتغل بالنهار او بينام ماعرفش.. بس فع..

ثم يعقد حاجباه في غضب وهو ينظر تجاه شقة جارة مكملا كلامة:

– لا مش معقول حتى العيد مش راحم نفسه.!
ظهر الرجل بنفس هيئته الاولى ولحية اكثر طولا ..
جلس على اريكته ثم مد يده الى الطاولة امامة ليتناول علبة سجائر ليخرج واحدة ويشعلها وهو يرمي ظهره للوراء ويرفع قدماه على ذات الكرسي الذي لا يذهب لاي مكان..
انه هنا ليريح قدماه في اي وقت..
انه بالفعل كرسي وفي..!

يهب منصور واقفا:

– انا لازم اعمل حاجة..

– منصور.. صلي ع النبي عايز تعمل ايه..

– اي حاجة انا عايز افوق الواد ده ممكن يجيله جلطة من قلة الحركة والزعل.!

– جلطة.. يا ساتر يارب..

– ايوة يا سوسو انا هانزل اسال البواب تحت مين ده وماله..

تنظر له سوسو وقد علمت ان زوجها يضمر في نفسه امرا..
تعلم انها لن تستطيع ايقافة..
مهما قالت .. او فعلت ..
***

ثاني ايام عيد الفطر..
شقة منصور..

يقف منصور امام افراد عائلتة وهم متراصين على الارائك تلوك افواههم الكحك و الملبن..
بدا انهم مستغربين مما يقول وانه في خضم محاضرة ما..

ثم قال احد الشابين الحاضرين:

– يعني حضرتك عايز تعمل زي الاعلانات وتروح تفرح الراجل ده؟؟

ينفعل منصور متحمسا لطالبه النجيب الذي التقط ما يقصده بالضبط

– بالظبط كدة يا عمرو.. كان في اسرة وحياة في البيت ده من اكتر من شهر.. وانا سألت و عرفت ان بناته و مراته مش معاه لانهم مسافرين او متخانقين مش عارف.. بس الراجل ده حرام علينا نسيبة ده النبي وصى على سابع جار..!

يتحدث الشاب الثاني بتهكم والذي يبدو اصغر سنا من الشاب الأول:

– بابا انا زعلان على فكرة وكل يوم قاعد في اوضتي باعيط ممكن تساعدني.؟
لينتشر وسط الحضور ضحكات خافتة وهمهمات مستنكرة..

حتى انفجرت زوجته في الضحك وهي تقول:

– اه يا منصور ساعدة والنبي علشان يكمل تمن البلاي ستيشن فور ويتلم في البيت.. ده حتى الحظر ما لمكش في البيت يا بني نفسي اعرف بتنزل فين مع صحابك كل يوم..

يقول منصور وهو يحرك رموشه بسرعة رافعا حاجباه :

– انا مش بهزر .. ورايحله حتى لو لوحدي..

وتركهم واتجه الى السفرة العامرة بالكحك و ما طاب من العجين المخبوز وقال بصوت عالي:

– جهزيلي صنية شكلها حلو يا سوسو انا هاجهز الزيارة..

تتحرك الكاميرا مع سوسو وهي متجهه الى زوجها لتساعده ..

ثم ينتقل الكادر الى المعيشة مرة اخرى لتجد الشاب الاكبر يتحدث مع ابنة منصور ممتعضا منعقد الحاجبان يتمتم:

– ماتقومي تشوفي الحوار ده هنروح بجد ولا ايه؟؟
ده من ساعة ماجينا مابيتكلمش غير عنه و وحدته و حزنه و كآبته انا مش فاهم هو في ايه؟؟
يظهر منصور في مواجهتهم مظهرا انه قد سمع ما قاله زوج بنته:

– قومي ساعدي امك يا ولاء بكرة حد تاني ييجي يواسي جوزك لا قدر الله ولا عمرو محصن ضد انه يتساب و يزعل..؟

يعتدل عمرو في جلسته و هو يقول:

– اه طبعا يا عمي انا معايا قدري و نصيبي احنا عمرنا ما فكرنا نسيب بعض..

تظهر اصابع ولاء في الكادر متشابكة في توتر و هي تعلم انها تفكر في الطلاق منه منذ اكثر من ستة اشهر وان زوجها يحكي هراءا ويعلو صوت عقلها الممتعض انهم يعيشون كالاخوة منذ اشهر..
وقد خبت نار علاقتهم و زادت الهوه بينهم..
فتنظر لزوجها ثم لابيها الذي لوى راسه وبدى متهكما من قول زوجها..

– هاقوم يا بابا حاضر..

– وانت يا عمرو قوم انت كمان ماتعرفش ترص كحك ولا اقولك اعملنا براد شاي باللبن من غير سكر.. يا لولو ساعدي جوزك احسن.. وانت يا صايع يا بتاع البلايستيشن هات موبايلك وتعالى..

يتحرك الشاب تجاه ابيه مستغربا مما قد اقدم عليه الا انه اطاعه واحضر هاتفة الخلوي قائلا:

– خير يا دوكتور..

– سجل الرقم ده عندك

ثم شرع في تسجيل الرقم الذي املاه عليه ابيه ..

– رقم مين ده يا بابا؟

– تعالى معايا

ثم اتجها الى الشرفة التي تطل على الجار الحزين الذي اصبح حديث المنزل و الساعة..

– شايف الراجل عامل ازاي؟

– اه .. شكله مش عيد خالص هو ماله صحيح

– يمكن مش لاقي شغل.. او متخانق مع مراته.. او الدنيا ملخبطة معاه.. او يمكن كل ده بس احنا واجبنا نقف ونساعدة او حتى نسعدة النهاردة ممكن ده يفرق معاه..

– طيب ايه الرقم ده؟؟

– ده رقمه انا جبته من البواب بتاع عمارته

– هنبعتلة نكت ولا ايه؟!

– ياولا .. هو ابوك بيهرج؟

– لا يا حاج انت الي بتقوله بتعمله..

– طيب هتنزل تنادي صحابك.. مش كتير كلم شادي وشريف وممكن جو كمان.. وهتعمل الي هقولك عليه..

***

نفس اليوم
عند اي كشك

يرفع ابن منصور زجاجة المياة الغازية على فمه لتنزل فارغة ثم يلتفت الى صديقة الذي يبدو عليه عدم الفهم..

– يابني وانت مالك.. انت هاتيجي عندنا وتصور الي بابا يقول علية ده لو بابا اتكيف من الي عملناه هيشبرقني شبرقة ..
ده بيتفرج ع الراجل ده من يجي اكتر من شهر و انا بيني وبينك الراجل صعب عليا..

– هي حاجة صعبة فعلا بس انا اول مرة اشوف حد مهتم بغيرة قوي كدة..

– بابا بيقول ان الايام دول وكل حاجة الانسان معرض ليها وزي ما بنحاول نسعد غيرنا ربنا هيسعدنا.!

– كلام زي الفل.. انا هاجيب شادي و شريف ونيجي كلها نصاية ونبقى عندكم..

نفس اليوم
منزل منصور

بدى وكانة مشهد من مسلسل عائلة ونيس الشهير..
اسرة مجتمعة يرأسها عائلها و كبيرها منصور كقائد في معركة ما.. واجتمع اليهم اصدقاء ابنة الاوفياء..
تتوسط طاولة المعيشة صنية انيقة يترصص بها الكحك و البسكوت بشكل انيق والى جوارة براد الشاي باللبن فكرة منصور الذي تحدث كقائد حربي:

– كل سنة و انتم طيبين وعلى الخير دايما قادرين..
انا قولت لهشام يجيبكم (مشيرا الى اصدقاء ابنه) علشان انتم زي ولادي وانا حابب انكم تشتركوا معانا في الخير ده..
زي ما كلكم شايفين.. الراجل ده حاله صعب و ما حدش في تقديري بيسأل عليه او فاهم الي فيه.. احنا هنحاول نسعده و نساعده..

تنتقل الكاميرا الى وجه ولاء (بنت منصور) لتجد انها مبتسمة ولا يعنيها ما يدور حقا:

– البيجامة حلوة عليك يا بابا.. (تقول ولاء)

– انا مش فاهم يا بنتي تعبتي نفسك و بعتيلي بيجامة جديدة مالها الكاستور دي مريحة جدا..!

– ياحبيبي دي حاجة بسيطة من خيرك علينا و بعدين اديك شايف لا في خروج ولا لبس جديد كلنا جبنا بيجامات ماعادا عمرو مش عاجبة موضوع البيجامات..

– يابني ريح مراتك بيجامة تبقى بيجامة سيبها تسوق في الحاجات دي وسوق انت في المهم .. ها فاهمني .. ا ل م ه م

وهو يتكئ على احرف كلمة المهم عسى ان يفقه زوج بنته اهتمامه بالامور التافهه وارهاقه لزوجته..

حتى بدأ عمرو يتسائل ما ذا بهم هؤلاء القوم هل يخبئون عنه شيء ما؟؟

يرتفع صوت منصور:
– سوسو انت هتصوري بالاسدال برضة؟

– اه امال هصور بايه؟

– وانت يا عمرو جاهز؟؟
– جاهز يا عمي
يتقدم عمرو متهربا من القاء اي كلمة معلنا قبوله مهمة التصوير:

– ماشي هتصور بموبايل هشام علشان كاميرته حلوة

كان الركن الذي يجلسون فيه مزينا كاعياد الميلاد القديمة بناءا على طلب منصور الذي بدى متأنقا ببجامتة الحريريه الجديدة..!

– صور ياللا يا عمرو..
شرع عمرو في التصوير.. وانطلق منصور في الكلام و كأنه مقدم برامج محترف:

– احنا جيرانك وشايفينك وعايشين معاك طول الشهر الي فات..
شوفناك حزين على غير العادة..
يوم ورا يوم ورا يوم خلونا نسأل عنك ونحاول نتطمن عليك..
انا الدكتور محمد منصور الي ساكن قصادك.. ودي المدام “سمر” و بنتي “ولاء” وجوزها “عمرو” الي بيصور و هشام ابني واصحابة شادي و شريف و يوسف ..
ولو كنت قدرت الم كل سكان المنطقة واجيلك لحد عندك كنت عملت كدة..
بس احنا في زمن بعدت فيه الناس عن بعض والسياسة و المرض لهوا الناس اكتر و اكتر..
يمكن اعز الناس لينا بعدوا يمكن احنا نسينا ان لينا اهل و عزوة ممكن يقفوا جنبنا ..
ايا كان انت مشاكلك ايه احنا معاك وشايفينك يوم ورا يوم شبابك بيروح من الزعل ايا كان مين مزعلك ابعتلة الفيديو ده قوله مافيش حاجة تستاهل..
بالمناسبة …
ثم ينتقل المشهد الى شقة الجار الحزين الذي صار مندهشا مما يراه عبر الواتساب من رقم غريب ليخرج من شقتة الى الشرفة ليحاول ان يفهم من يراقبه!
ثم اكمل الفيديو..

– بالمناسبة احلى طبق كحك العيد مستنيك على الباب

يهرع الى باب شقتة ليفتحة ليرى امامة جمع من الاغراب ..
انهم من كانوا في الفيديو مع حارس العمارة يحملون طبق الكحك والدكتور منصور يرفع يده بالبراد وهو يقول:

– وكمان شاي باللبن لزوم الكحك يا راجل فرفش !

– انتم كنتم شايفيني كل ده؟

يرد حارس العمارة:
– الدكتور منصور بيسأل عليك وبيقول ان انت كنت في خطر..

منصور:
– الخطر راح خلاص .. باقي الفيديو على فكرة واحنا بنرتبلك الكحك في الصنية و كمان مشوارنا على سلم العمارة متصور..
افرح بقى مافيش حاجة مستاهلة..
اقولك ابعت الفيديو ده للي مضايقك وهو هيحس على طول ان هو كمان ليه اهل ناسيهم..!
تغرق عينا جارهم بدموع فرح مختلطة بأسى وهو لا يعلم ما ذا يقول او يفعل..
يقول عمرو:
– ابعت ابعت هو احيانا الناس بتنسى و بتبقى قاسية..

وهو يشبك اصابعة مع اصابع زوجته..

ثم قالت سمر:
– واحيانا احنا الي بنكون قاسيين ع الناس و اقرب الناس لينا مش متخيلين اننا ممكن نبقى ضعاف او مكسورين..

وقال هشام وهو يبتسم:
– ابعت بقى الفيديو ده انا طلع عيني في تقطيعة

منصور:
– هتبعت ولا نمشي؟

الجار:
– انتم مش فاهمين انتم عملتوا فيا ايه انا باشكركم من كل قل…

قاطعة منصور:
– ابعت

تتعالى اصواتهم مع موسيقى توحي بالحماس..

– ابعت … ابعت .. ابعت ..

ولاول مرة تظهر اسنانة ونرى وجهه مضيئا مبتسما غارقا في الدموع الا انه رفع هاتفه قائلا:

– هابعت.. حالا.. بس
الشاي ده بسكر ولا السكر برة؟؟

يرد منصور مبتسما:

– لا وانت الصادق السكر عندك جوة احنا ضيوفك النهاردة كلنا متعقمين..
ولأول مرة منذ اسابيع يتلون هذا البيت بالفرح و الصحبة..
خلعوا نعالهم ودخلوا الى اريكته وادخلوا البهجة الى قلبه..

وكأن المشهد يبعد رويدا رويدا لتخرج الكاميرا من شرفة الجار السعيد مع صحبته لتستقر عند طفل معاق يجلس على كرسي مدولب يشاهد ما يحدث وهو ينادي على أمه:

– ماما ماما ..

– نعم يا حبيبي..

– اخيرا الراجل ده اهله جوله انا شايفة مبسوط اهو مع اهلة تقريبا..
كنت بادعيله كل يوم ربنا يفرح قلبة زي ما فرح قلبي قبل كده..

تبتسم الام في هدوء و تحتضنه وهي تقبل يده..

نهاية الفيلم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.