أمل عبد الله تكتب… الإسلام والإتيكيت

 

تحملُ كلمةُ إتيكيتَ لدى البعضِ معانيَ التَّكلُّفِ والتّصنُّعِ، والتَّصرُّفِ بطَريقةٍ بعيدةٍ عن طبيعةِ الإنسانِ وتربيَّتِهِ، ولكنَّ التَّعَرُّفَ على هذهِ الكلمة عن قُرْبٍ يَجْعَلُنا نُدْرِكَ أنَّ الإتيكيتَ لَيسَ أمرًا طارِئًا، وإنَّما هُوَ ضَرورَةٌ اجتماعيَّةٌ يُمكِنُ أنْ يَفْتحَ للفَردِ أبوابَ النَّجاحِ والْقُبولِ الاجتماعيّ، والإتيكيتُ ليسَ سُلوكًا مُسْتَوْرَدًا منَ الغربِ يُقَلِّدُهُ الشَّبابَ كما يُقلِّدونَ صَرْعاتُ الموضةِ. إذنْ، ما الإتيكيتُ؟

” الإتيكيتُ في الموسوعةِ الأميريكيَّةِ”
حسنُ التصرفِ واللطف للحُصولِ على احترامِ الذّاتِ والآخرينَ.
” الإتيكيتُ في الموسوعةِ البريطانيةِ”
السُّلوكُ الَّذي يُساعِدُ النّاسَ عَلَى الانْسِجامِ والتَّلاؤمِ مع بَعضِهِمُ البَعضَ ومع البيئةِ التي يعيشونَ فيها.
الخُلاصةُ: الإتيكيتُ هُوَ الْأخْلاقُ.

قد يظنُّ البعضُ أنَّ الإتيكيتَ تعاليم غربيَّةٌ، ولكنَّ الحقيقةَ أنَّ الإسلامَ قبلَ ١٤٠٠ سنةٍ قد نقلَ إلينا مُعظمَ قواعِدِ الإتيكيتِ، وذلكَ في القرآنِ وفي سُلوكِ النَّبيِّ، صلَّى اللهُ عليهِ وسلّمَ، وأصحابِهِ. وقد تمَّ تدوينُ الإتيكيتَ في الأساسِ لنا، وانتقلَ إلى الغربِ عندَ فتحِ الأندلسِ، وذلك عندما أرسلَ ملكُ بريطانيا وثيقةً إلى ملكِ الأندلسِ “هشام الثالث ” يستأذنُهُ في إرسالِ بعضَ الأميراتِ لتعلُّمِ أصولِ الرُّقيّ مِنْ حضارَةِ الأندلسِ، ومن ثَمَّ نَقْلُها إلى أوروبا، فوافَقَ هشامُ الثالثُ، وتَمَّ الإنْفاقُ علَى البِعثَةِ مِن بيتِ مالِ الْمسلمينَ.
كما أنَّ هناكَ الْعديدَ من الآياتِ والأحاديثِ التي تُجسدُ تعاليمَ الإتيكيتِ، كالإحسانِ إلى الجارِ، وبِرِّ الوالدينِ، وإكرامِ الضٌيفِ، وخفضِ الصوتِ، وآدابِ الطعامِ، وآدابِ اللِّقاءِ…إلخ.

ولابُدَّ مِنَ الإشارةِ إلى أنَّ الإتيكيتَ لا يختصُّ فقط بالمَظهرِ، كما تقولُ الحضارةُ الغربيَّةُ، بل يتعدّاها إلى الجوهرِ، وهو حُسنُ الخُلُقِ واللَّباقةُ فِي التصرفِ، كما أشارَ دينُنا الإسلاميُّ. كما أنَّ الإتيكيتَ يتعارضُ مع العفويَّةَ، فعندما تجلسُ مع أشخاصٌ مُهِمِّينَ لابَدَّ أنْ يَكونَ سُلوكُكَ مَدْروسًا جيدًا؛ فقد يعرفُكَ الآخر عن طريقِ مصافحتِكَ، ” فالضَّيْفُ لا يَمُدَّ يدَهُ قبلَ الْمُضيفِ”، وإلا اعْتُبِرَ هذا خَرْقًا لقواعِدِ الإتيكيتِ والْبُروتوكولِ بالنِّسبةِ للرَّسميينَ، ومِنْ أمثلةِ ذلك ، حينَ أقامَ “الشاه إيران ” المخلوع حفلًا لاستقبالِ سفراءِ أوروبا الجددِ، وأثناءَ السلامِ مدَّ أحدُ السُّفراءِ يَدهُ أوَّلًا بِالسَّلامِ قبلَ أنْ يمُدًَ “الشَّاهُ ” يدَهُ، وما إن انتَهتِ الْمأدبةُ حتَّى تَمَّ طردُ هذا السفير، وطُلِبَ مِنهُ مُغادَرةِ الْبِلادِ والْعودةُ إلى وطنِهِ.

وتكمنُ أهميةُ الإتيكيتُ في أنَّهُ ضرورةٌ اجتماعيةٌ، يُعَبَّرُ بهِ عنْ مدَى تَطوّرِ المجتمعِ، وهو يتجلَّى في التحدُّثِ وحُسنِ الخُلُقِ، وهو هبةٌ من اللهِ، يختصُّ بها بعضًا من خلقِهِ. كما أنَّ الْعِباداتُ تُلغَى إذا ما كانَ هُناكَ أخلاقَ، جاءَ أُناسٌ إلَى النَّبيِّ، صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ، قالوا: يا رسولَ اللهِ: ” فُلانَةُ تُذكرُ بكثرةِ صلاتِها وصِيامِها وزكاتِها غيرَ أنَّها تُؤذي جِيرانَها بلسانِها، فقال: هي في النارِ”.
ويَحقُّ لكَ كسر قواعد الإتيكيتِ فقط إذا عارَضَت ثلاثََ ” الدينُ، العاداتُ، والتَّقاليدُ، الصحةُ “

الخلاصةُ: إنَّ مَنْ يَتَّهِمُ الدّينَ الإسلاميّ بالرجعيةِ والتخلفِ، لا يفهمُ شيئًا في الدينِ، فما زالَ العلمُ يسيرُ في اتجاهِ إثباتِ تعاليمَ الإسلامِ إلى الآنَ، وأيضًا مَن يُغلِقُ عقلَه على معتقداتِه الخاصةِ، زاعِمًا أنَّها مِنْ تعاليمِ الإسلامِ، وأنَّه لا يجوزُ الاقتباسُ عن غيرِ الْمُسلمينَ “الغربَ ” قد فَهِمَ الدِّينَ بشكلٍ خاطئٍ، ولابُدَّ أنْ يُراجِعَ نفسَه.

نحن اليومَ في أمسِّ الحاجةِ إلى أن نعكسَ رُقيَّ الإسلامِ مِن خِلالِ تعامُلاتِنا الْيَوميَّةِ. ولا يَنبغي أنْ نَحبِسَ أنفُسَنا عن آدابِ الْعالَمِ المُتمدنِ، فيمكنَ أن نأخذَ ما يُلازمُ حاجاتُنا وطبيعةُ دينِنا، علمًا بأنها، في كثيرٍ منَ الأحيانِ، بضاعتُنا رُدَّتْ إلينا.

وفي النهايةِ، أوَدُّ أنْ أُشيرَ إلى ضرورةِ الاهتمامِ بمثلِ هذِهِ الموضوعاتِ؛ وذلك لكثرةِ المُنبهرينَ بالحضارةِ الغربيةِ، فلابدَّ أن نُلقِيَ الضَّوْءَ على ما يَتمتَّعُ بهِ دينِنا من رُقيٍّ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.